Skip to main content

24 في الرضا، الامتنان، والاستقرار.

يقال في أحد كتب باولو كويلو أننا جميعاً في رحلة سعي دائمة في البحث عن "الكنز الكبير" في حياتنا. الكنز هنا تعبير مجازي، ولمخيلة كل قارئ الحرية في السفر لأبعد المسافات في تصور طبيعة هذا الكنز، سواءاً كان علم، صحة، مال، أو غيرها من الأمور. 

 

لذلك، ماذا لو ابحرنا قليلا لسا بخيالاتنا، لكن بواقع هنا وهناك. بما نراه اليوم في حياتنا من أشخاص، ما نستشعره حولنا من نعم من الله، ما نسمعه من واقع، ما نتنفسه من هواء بارد صافي، ما نتعلمه من دورس، ومن رفقة من هم حولنا من أشخاص نحبهم ويحبوننا، نقدرهم و نحترمهم، ونسعى في رحلة البحث هذه أن نكن على قدرٍ كامل من الوعي لإدراك وجودهم وكل هذه النعم حولنا. 

 

 اليوم أصبح عمري 24، وأكتب هنا بالعربية لعلي أستمتع ببلاغة هذه اللغة وجلالة حروفها التي تكون لنا معاني. استذكر السنة الماضية من عمري، وسنواتي الأربعة والعشرون هذه، وكل ذكرى كانت جزء من رحلة السعي هذه تجاه وجهة مختلفة.

 

أستذكر قصص تسميتي بـ "رزان". كيف كان هناك يوما في مجلس جدي فهد وعاء لقرعة أسماء مختلفة لربما كنت لأصبحها يوما، لكن والدي ممازحاً أمي وأخواتي، أخذ مسؤولية الكتابة على جميع الأوراق "رزان" بدل عن الأسماء المطروحة، مصراً على تحصيني وحتى قبل خروجي لهذا العالم بالرزانة والاتزان. فأصبحت أنا، ويقال أنني ولدت في يومٍ ممطر لأخرج من أمي أسماء لأمنا الأحساء، وكما أنه يقال أنه كان يوم استبشروا بالمطر خيرا، واستبشر بيّ والديّ العالم ليحصونني بحبهم لبدء رحلتي هذه. 

 

دائما ما أتخيل مجلس جدي ذاك الذي شهد تسميتي وشهد بعدها العديد من الاجتماعات العائلية، والذي رممه والدي ليكمل حس أبيه بفتحه كل يوم جمعة ليحتوى أهله وأصحابه وللحديث عن آخر أخبار الصحافة (وطبعاً الأحساء).

 

أتخيل، وأدرك، وأتخيل أكثر. يملأني حس بالامتنان والانتماء لذاك المكان الذي نشأت فيه. اغني مع أبناء أختي راكان وشادن جدول الأحرف، وأتذكر أمي تنشد لي:

 

"أ.. (مع شدة على اللفظ ووقفة احترام لهذا الحرف) ب... تاء ثاء.. جيم حاء خاء، داال ذال (ويبدأ النشيد والتلحين)".

 

 وأتذكر أبي يكتب أنشودة لآخذها معي للروضة ومشاركتها الجميع في الطابور، والتي نشرها لاحقا في مجلة القافلة التابعة لارامكو:

 

"إشارة المرور، سلامة للجميع. الناس يعبرون، الشيخ والصغير. أحمر، وقف، أصفر، خفف، أخضر، امشي على طول." 

 

أنشدت الأحرف وتغنيت بإشارة المرور بكل فخر وتباهي بما علمني إياه والديّ، وكأني أعد نفسي بفخر لمزيد من الدروس لا في الروضة ولا في المدرسة، بل كيف أكن شابة صالحة، عادلة، طيبة، (ويارب) رزينة. شابة تفخر بنشأتها وتشارك دروسها مع العالم. شابة لم تدرك حينها، لكن تدرك الآن ثمن هذه الدروس على واقع حياتها في العشرينات اليوم.

 

بدأت بالسعي، و "حرفيا" بالتحليق في العالم بين الدول والمتاحف، أبحث بينهم عن المعلومة التي ستغذي هذا الفضول العظيم لأكن أفضل ليس لأحد، ولا حتى لنفسي، بل لهما هما الاثنان.

 

بدأت هذه المدونة بثلاثة كلمات، فمن الواجب أن اشرح الآن:

 

بدات يومي في عملي. فأنا اليوم تخيلوا موظفة. بوظيفة عظيمة وكأنها من وحي الخيال هذا الذي شكلته في طفولتي. بين فريقٍ جبار يستحي الفرد من علمهم وعملهم وموسوعة معرفتهم، لكن ينبهر بهم وكأن العمل معهم هو درسٍ يومي في رحلة السعي هذه بما ينشرونه من شغف وفضول والتزام. أحتفل بسنتي الـ 24 بينهم، لكن ما لم يعلمونه هو أنني طوال اليوم استذكر طفولتي التي اعدتني لأكن هنا اليوم بينهم أعمل، وبجانبهم أسعى، وكتفاً بكتفٍ معهم أنضج. فمعهم، تعرفت على الاستقرار في مكان انمو فيه واعمر. 

 

ختمت يومي بعائلتي والتي أنا هنا اليوم، وكل يوم في هذه السنوات الـ 24 بسببهم، لكن لازلت أسعى من أجلهم. أعطوني التمكين والذي بسببه رأيت العالم وأدركت أنني أحد الساعين في هذه الأرض لتعميرها وتنميتها ومن عليها. أعطوني الثقة أنني قادرة على هذا وذاك بكل نشيد ومقال كتبته محاولة بخطي المتعرج ولغتي الركيكة بمحاولة لمشاركة خيالي وأفكاري. أعطوني اسم أدعي ربي لعلي يوماً أكن كما يعني، رزينة ومتزنة. ففي أمي، أخواتي لطيفة وعائشة، اخواني فهد وفارس أستذكر يوميا نعمة الرضا والامتنان. 

 

اليوم أنا 24، وأرى العالم كله أمامي بكل الطرق وحرفيا "عنان السماء" لأكمل رحلة السعي هذه. في كتاب باولو كويلو، وجد البطل الكنز ليكتشف أنه كان مكان ما بدء، مكان نشأته، نموه، وبداية كل أحلامه. لا أعلم متى من المفترض أن نعلن أنه قد وجدنا الكنز وأن سعينا هذا قد إن انتهى، ولكنني مدركة تماما أننا مهما ذهبنا بعيد، نضل عائدون ومحملون بكل خير لمكان البداية، لأثرنا الأول، لعملنا المحلي، وإن وصل أثره عالمي.

 

لكم أنتم، وإن لم أذكركم بالاسم لكنكم تعرفون جيداً من تكونون: شكرا لكونكم جزء ليس من رحلتي، بل ممن أصبحت أنضج وأكبر لأكن، لكونكم الآن جزءاً مني. 

 

لوالدي فرحان (رحمه الله) الذي ليس هنا ليقرأ كمية تحسن كتابتي العربية ليفرح بها، والذي من الأمكن إن كان معنا اليوم لكان واقفاً بجانب والدتي (ربما معي في الرياض)، خلفي لدعمي لكن أمامي دائما لتوجيهي، بحبهم يحصونني لاستشعر أنني قد يكن كنزي يوما ما عندما اجده هو: الرزانة والاتزان كما يحبون ويحب الله.

Comments

Popular posts from this blog

التوأم

كانت الساعة ٣:٥٠ فجراً بالتوقيت الشرقي لأمريكا. صحيت على رسالة من صديقتي تذكرني بموعدي الساعة الرابعة (اي أنه كان بعد عشر دقائق) لمقابلة بعض الطالبات اونلاين من خلال مكالمة سكايب للحديث عن تجربتي في الأمم المتحدة. كان الجو بارداً جداً، و الضباب يغطي الجبال التي عادةً ما أراها من نافذتي. اخذت وقتي و ببطء أعددت كوب القهوة الصباحية، و حتى لا أزعج زميلتي اليابانية في الغرفة، خرجت بهدوء للصالة. بين كوب القهوة السوداء الحار الذي انسكب هنا و هناك، و بين حملي للابتوب و الشاحن و الهاتف، جلست على الكنبة الخضراء الجديدة و فتحت حسابي في سكايب إستعداداً لهذا اللقاء الذي حدث قبل حوالي سنة، و حقاً لم أعلم حينها أنني كنت على وشك مقابلة أحد أكثر الشخصيات تميزاً (و حرفياً و فعلياً) تشابهاً في حياتي.  قابلتهم بالصدفة من خلال ذاك اللقاء. من بين عشرات الطالبات الآتي شاركن في النقاش في تلك المكالمة، كان هناك شيءٌ مختلف لاحظته في هذا التوأم. اتذكر إنبهاري بهم و إعجابي بهذه الشخصية الرائعة التي إنقسمت بين شخصين بالتساوي. دائماً ما نقابل أناسٌ ننبهر من عقولهم و تفكيرهم منذ اللقاء الأول، و لكن هذه كان...

Two Days With Dad يومان مع والدي

*This blog post was written only two days before my dear father's accident -may he rests in peace-. *هذا المقال كُتب يومان فقط قبل وفاة والدي الحبيب رحمه الله  Tears may express both happiness and sadness. A shaking voice can describe either fear or sorrow. A shivering body can describe all of the mentioned above. But what if, only if at one point in life, all of these emotions combine together to crash the human's body? What if our emotions can break our hearts in a second, then build them back again in the next?  الدموع قد تعبر عن كلا السعادة و الحزن. الصوت المكسور قد يعبر عن الخوف و الأسى. الجسم المرتعش قد يعبر عن جميع ما ذكر بالأعلى. و لكن ماذا إذا، فقط إذا في وقفة معينة في الحياة، كل هذه المشاعر تجتمع سوياً لتكسر جسد الإنسان؟  ماذا إذا كانت مشاعرنا قادرة على كسر قلوبنا في لحظة، و إعادة بنائها في الثانية التي تليها؟  Goodbyes are meant to happen to everyone. As I grow up, I realize how hard they can be depending on whom I'm saying goodbye to....

"Glocal" at the United Nations Youth Assembly

Those who dream, will definitely achieve.  The efforts we put into chasing our goals will be recognized.  Our faith in God, and those long nights praying with so much hope in our hearts.  The taste of accomplishment, that happiness, the laughter, oh and those tears of pure joy.  Standing up for the right, and fighting for the good.  We were all born great, but at the end of the day, it is up to us to realize that greatness and use it proactively.  Nobody’s better than the other, we are made different so we can come together and join those differences together for our own good.  If we’re the same, then competing will never get us anywhere, because “team work makes the dream work” according to a great wise friend of mine.  Working hand by hand to reach the finish line will get us further and further in life.  This past week, I had the honor to be the Saudi Delegate to the United Nations Youth Assembly, and this is the story of how this week t...