Skip to main content

من على ٣٦ ألف قدم

و إينما ذهبنا نضل عائدون، محملون بذكريات، و باقون على نفس الوعود. نحلق من مكانٍ إلى آخر، ساعين في ملاحقة أحلام و أمال. نودع هذا الوطن و نرحب بذاك البلد. نعيد الكرة مرات عديدة، و نظن بأنه قد أعتدنا المشوار، لكننا نضل مؤمنون بالداخل أن لا شيء يمكنه تخفيف هذا الشعور. نستمر، نحلق، و نسعى  بينما ننضج و نكبر لا بتجارب الحياة أو غيرها، بل بوعي داخلي بأنه قد حان وقت المضي للأمام.

٢٠١٧ لم تكن سنة إعتيادية بالنسبة لي شخصياً، فقد بارك الله علي في بدايتها بنعم، و استمرت سنتي بالإزدهار، حرفياً. لاحظت تقديري الشخصي لما حولي يزداد بهذا الوعي الذي بدأ "يزدهر" بداخلي. و الآن بينما أنهيت آخر شهر من السنة في الأحساء، و نظرت لهذا الماضي الثري من سنةٍ واحدة فقط، إستوعبت و تذكرت حينها أن كل ما وهبني الله خلال هذه السنة كان درس بشكل من الأشكال. المواقف و التجارب كانت بالفعل هناك لتعلمني، لكن إدراكي لها و لما كان يدور حولي جعلني أعي مدى حجم النضج الذي يحدث لنا جميعاً حتى من دون معرفتنا بالتحول الذي يحصل لشخصياتنا و هوياتنا الداخلية حينها.

كنت على أتم إستعداد للإنتهاء من الفصل الجامعي و البدء بعطلتي. وصلت للإحساء مساءاً على أنغام جلسات وناسة في السيارة، فمن يعرف طريق مطار الدمام، سيفهم أهمية وجود أصوات محمد عبدو و عبدالمجيد عبدالله عند الرجوع للسعودية. وصلنا بيتنا و استقبلتني أمي بهديتها المعتادة و اللازمة بعد كل فصل دراسي "بجاما جديدة". أغلب "بجاماتي" الحالية مربوطة بسفرة معينة أو نهاية فصل جامعي محدد. أصبحت ألبس تلك الحمراء و أتذكر وصولي للأحساء في أول إجازة كريسماس جامعية، و تلك الزرقاء بعد إنتهاء ملتقى في الأردن، و هذه الكاروهات التي أرسلتها لي أمي للرياض عندما سافرت لمنتدى قبل وصولي للأحساء، و غيرهم الكثير. المهم أنني لبست بجامتي الجديدة و جلسنا لشرب الشاي الأحمر بالنعناع و السكر، و كانت تلك بداية إجازتي.

بعدها بإسبوع، تشرفت بالحديث أمام أبناء الأحساء الحبيبة في ملتقى الأحساء التطوعي. حماسي طغى على توتري ذاك اليوم، و كان حدث حقاً مهم لي شخصياً لأنني تمكنت من مشاركة تجاربي التطوعية صغيرةٌ كانت أم كبيرة أمام أهل هذه الواحة العظيمة. فور وقوفي على المسرح، نظرت للأعلى لعلي أرى أختي لطيفة لكن الأضواء سطعت بشدة و لم أتمكن من النظر، فأبتسمت لها، و لمن حضر من أجلي غيرها، و من كان بعيداً لكن قريباً في تلك اللحظة مثلها. تحدثت من أجلنا جميعاً، لنظهر عزيمة شباب الأحساء في إحداث تغيير إيجابي مجتمعي من خلال التطوع. تحدثت من أجل قادة التطوع و من أجل كل من يعمل بجهد للغير. تحدثت لأن جميع قصصنا بإختلافها توحد و تعكس هذا المجتمع، و لأننا جميعاً أبطال كل هذه الحكايات بكل الخير الذي تحمله.

خلال الأسبوع الذي تلاه، كنت جزء صغير من فرحةٍ جداً كبيرة. إحدى هذه النعم التي وهبني إياها الله هي صديقة عزيزة. تجمعنا علاقة فيلسوفية من الدرجة الأولى، أتمنى أن أعرف سر توافق الأفكار هذه، لكنني أفضل أن أستمتع بها بدلاً عن تحليلها. كان يوماً مهم بالنسبة لها، ربما أنه كان أهم أيامها. شاركتها تلك الفرحة بأعرض إبتسامة و أعظم سعادة في القلب. كانت هناك تمشي، تبتسم بخجل و تنظر للجميع بعفويتها تلك التي نحبها جميعاً، و كنت جالسة بعيداً أشاهدها بسعادة لا تفسر. أتذكر تلك الفرحة الآن، و لا زلت أبتسم، لا زلت أضحك، و لا زال قلبي مليء بسعادة. مشاركتنا لحظات مهمة كهذه مع من نحب تجعلنا مرتبطين بلحظة لن تتكرر في التاريخ أبداً، لكنها ستعيش دوماً في قلوبنا، ستضل دائماً حية بتلك المشاعر التي ربطتنا خلال تلك اللحظة بالتحديد.

كانت لدي رحلات عمل عديدة للرياض. كنت أخرج من البيت الساعة التاسعة صباحاً لأتمكن باللحاق بقطار الساعة ٩:٣٠. في تلك الأثناء و خلال العشر دقائق بين البيت و المحطة، كنت أجري مكالمة و أصبحت عادة أستفتح بها صباحي. و في كل رحلة على القطار بين الهفوف و الرياض، كنت أستغل وقتي بقراءة كتاب أو تحضير ما استوجب علي مناقشته أو عرضه. و كنت في النهاية أستقل قطار التاسعة مساءاً عائدة للأحساء، و هكذا أمضيت يومي بين الأحساء و الرياض. كنت أستمتع بالتعب، و أشعر بأنني حقاً أنجز و أعمل تجاه هدف أطمح من أجله. كنت حرفياً أسعى من أجل طموح و حلم أصبح أقرب يوماً بيوم و رحلة برحلة. لدينا واجب مهم تجاه أنفسنا، يجب علينا أن نبذل من أجل أن نحصد. أن نعمل من أجل النتائج. حتى و إن تعبنا، فإن هذا التعب هو لحظي، و لكن الإنجاز سيبقى.

تحلق حالياً طائرتي فوق أجزاء من القطب الشمالي على إرتفاع ٣٦ ألف قدم، سرعة ٨٦٦ كم، و في درجة حرارة -٦٩ درجة مؤية. قال لي أحد الأصدقاء، أن هذه ستكون سنةٌ رائعة مُحملة بالكثير بعد حديثنا الطويل عن النضج و الوعي و كل ما ذكرته في البداية. فأبتسمت، و لم يكن لدي رد معين. فقط إبتسامة مؤمنة بما سيرزقني به الله، مؤمنة بأن نعم الله التي ندركها أهم و أغلى من أي شيء آخر، مؤمنة بأن كل فرحة و ذكرى شاركتها غيري ستعيش للأبد.

دعونا نتذكر كل مغامرات ٢٠١٧، كل الضحكات، كل القرارات، كل لحظة مهمة شاركناها مع من نحب، كل إنجاز بعد تعب، كل حديث مع صديق جعل تلك العلاقة أعمق، أو كل ضحكة مع رفيق سفر جعلت تلك الرفقة صحبة، فكل شيء حدث قد صنعنا أو أضاف لنا الآن. أنا الآن حقاً أبتسم، مؤمنة بأن القادم سيكون حقاً جميل.

Comments

  1. ليس لدي الحق في الرد على اجمل ما قرأت سيدتي رزان
    كل يوم تتكاثر الأحلام وكما ذكرتي سابقا كل يوم نقرب يوم بعد يوم
    هل تصدقيني ان قلت لكِ انكي وانت كنتي تصغيرنني سننا ولكن تكبريني عقلا وحكمة ولكن كل يوم ارى فيه فيه احد أبناء وطني يكبر فتكبر احلام الجميع معه

    من على بعد ٠ اقدام من مدينتك الرياض
    شكرا لانكي انتي

    ReplyDelete

Post a Comment

Popular posts from this blog

Hoping before McDowell's School Board

Not every exchange experience is the same, simply because every student is different, and every place is different too. Comparing an experience to another is a huge mistake, yet looking at each one individually triggers curiosity to those who are not part of it to know more.  Not every day is rainbows and sunshine, but surly not every other day is clouds and rain. One bad day shall never ruin a year long experience, and one good day will create memories that will spring in the happiness of many other days to come.     My day today was one of a kind. A day that shall keep me motivated for a good period of time. It's a day that I can smile at and tell myself that I actually invested my time in the project of my successful ways of living. I'll never be the wise person who advises people with powerful talks.  I'll never be the big boss who's in charge. Instead, or at least for now, I am going to live for the present and do my best in influencing a change in this community.

24 في الرضا، الامتنان، والاستقرار.

يقال في أحد كتب باولو كويلو أننا جميعاً في رحلة سعي دائمة في البحث عن "الكنز الكبير" في حياتنا. الكنز هنا  تعبير مجازي، ولمخيلة كل قارئ الحرية في السفر لأبعد المسافات في تصور طبيعة هذا الكنز، سواءاً كان علم، صحة، مال، أو غيرها من الأمور.    لذلك، ماذا لو ابحرنا قليلا لسا بخيالاتنا، لكن بواقع هنا وهناك. بما نراه اليوم في حياتنا من أشخاص، ما نستشعره حولنا من نعم من الله، ما نسمعه من واقع، ما نتنفسه من هواء بارد صافي، ما نتعلمه من دورس، ومن رفقة من هم حولنا من أشخاص نحبهم ويحبوننا، نقدرهم و نحترمهم، ونسعى في رحلة البحث هذه أن نكن على قدرٍ كامل من الوعي لإدراك وجودهم وكل هذه النعم حولنا.     اليوم أصبح عمري 24، وأكتب هنا بالعربية لعلي أستمتع ببلاغة هذه اللغة وجلالة حروفها التي تكون لنا معاني. استذكر السنة الماضية من عمري، وسنواتي الأربعة والعشرون هذه، وكل ذكرى كانت جزء من رحلة السعي هذه تجاه وجهة مختلفة.   أستذكر قصص تسميتي بـ "رزان". كيف كان هناك يوما في مجلس جدي فهد وعاء لقرعة أسماء مختلفة لربما كنت لأصبحها يوما، لكن والدي ممازحاً أمي وأخواتي، أخذ مسؤولية الكتابة على

Twelve Countries Uniting with Love for One Nation's Host Families

Sending small messages to more than five continents and ten countries could be extremely hard.  But finding the people who would respond to my messages with open hearts and a loud "YAS!" to something that I had to say was a piece of cake.  Having those strong connections made my last few nights light with happiness, because I was reminded through my friends' words, reactions, and pictures that the future really does belong to those of us who care about making it a better place to live for all.  We all shared one similar past during our time as exchange students in the United States in the school year of 2014-2015.  We said "Yes" to a new life that was full of new adventures and wild experiences.  We agreed to cross the Atlantic and the Pacific, because we strongly believed in our power, future, and in our own selves.  Age was not an obstacle, for we drew an amazing picture of America.  Yet the most important parts of this whole year were and forever will